سورة محمد - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)}
{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم لا إلى الإملاء كما نقل عن الواحدي ولا إلى التسويل كما قيل لأن شيئًا منهما ليس مسببًا من القول الآتي، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {قَالُواْ} يعني المنافقين {لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله} هم بنو قريظة. والنضير من اليهود الكارهين لنزول القرآن على النبي عليه الصلاة والسلام مع علمهم بأنه من عند الله تعالى حسدًا وطمعًا في نزوله على أحد منهم {سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الامر} أي في بعض أموركم وأحوالكم وهو ما حكي عنهم في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نافقوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ} [الحشر: 11] وقيل: في بعض ما تأمرون به كالتناصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: القائلون اليهود الكافرون به صلى الله عليه وسلم بعد ما وجدوا نعته الشريف في كتابهم والمقول لهم المنافقون كان اليهود يعدونهم النصرة إذا أعلنوا بعداوة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقيل: القائلون أولئك اليهود والمقول لهم المشركون كانوا يعدونهم النصرة أيضًا إذا حاربوا. وتعقب كلا القولين بأن كفر اليهود به عليه الصلاة والسلام ليس بسبب هذا القول ولو فرض صدوره عنهم على رأي القائل بل من حيث إنكارهم بعثه عليه الصلاة والسلام وقد عرفوه كما عرفوا أبناءهم وآباءهم، ومنه يعلم ما في قول بعضهم: إن القائلين هم المنافقون واليهود والمقول لهم المشركون، وما فسرنا به الآية الكريمة مروى عن الحبر رضي الله تعالى عنه {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} أي إخفاءهم ما يقولونه لليهود أو كل قبيح ويدخل ذلك دخولًا أوليًا. وقرأ الجمهور {إِسْرَارَهُمْ} بفتح الهمزة أي يعلم الأشياء التي يسرونها ومنها قولهم هذا الذي أظهره سبحانه لتفضيحهم، وقال الإمام: الأظهر أن يقال المراد يعلم سبحانه ما في قلوبهم من العلم بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه ما لا يخفى، والجملة اعتراض مقرر لما قبله متضمن للوعيد.


{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)}
والفاء في قوله سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة} لترتيب ما بعدها على ما قبلها، {وَكَيْفَ} منصوب بفعل محذوف هو العامل في الظرف كأنه قيل: يفعلون في حياتهم ما يفعلون من الحيل فكيف يفعلون إذا توفتهم الملائكة، وقيل: مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي فكيف حالهم أو حيلتهم إذا توفتهم الخ، وزعم الطبري أن التقدير فكيف علمه تعالى بأسرارهم إذا توفتهم الخ، وليس بشيء، ووقت التوفي هو وقت الموت، والملائكة عليهم السلام ملك الموت وأعوانه. وقرأ الأعمش {توفاهم} بالألف بدل التاء فاحتمل أن يكون ماضيًا وأن يكون مضارعًا حذف منه أحد تاءيه والأصل تتوفاهم {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} حال من الملائكة، وجوز كونه حالًا من ضمير {تَوَفَّتْهُمُ} وضعفه أبو حيان، وهو على ما قيل تصوير لتوفيهم على أهول الوجوه وأفظعها وإبراز لما يخافون منه ويجبنون عن القتال لأجله فإن ضرب الوجوه والإدبار في القتال والجهاد مما يتقى، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه لا يتوفى أحد على معصية ألا تضرب الملائكة في وجهه وفي دبره، والكلام على الحقيقة عنده ولا مانع من ذلك وإن لم يحس بالضرب من حضر وما ذلك إلا كسؤال الملكين وسائر أحوال البرزخ.
والمراد بالوجه والدبر قيل العضوان المعروفان. أخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه قال: يضربون وجوههم واستاههم ولكن الله سبحانه كريم يكنى، وقال الراغب. وغيره: المراد القدام والخلف، وقيل: وقت التوفي وقت سوقهم في القيامة إلى النار والملائكة ملائكة العذاب يومئذٍ، وقيل: هو وقت القتال والملائكة ملائكة النصر تضرب وجوههم إن ثبتوا وأدبارهم إن هربوا نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلا القولين كما ترى.


{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)}
{ذلك} التوفي الهائل {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله} من الكفر والمعاصي {وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ} ما يرضاه عز وجل من الإيمان والطاعات حيث كفروا بعد الإيمان وخرجوا عن الطاعة بما صنعوا من المعاملة مع إخوانهم اليهود، وقيل: ما أسخط الله كتمان نعت الرسول صلى الله عليه وسلم ورضوانه ما يرضيه سبحانه من إظهار ذلك، وهو مبني على أن ما تقدم أخبار عن اليهود وقد سمعت ما فيه، ولما كان اتباع ما أسخط الله تعالى مقتضيًا للتوجه ناسب ضرب الوجه وكراهة رضوانه سبحانه مقتضيًا للإعراض ناسب ضرب الدبر ففي الكلام مقابلة بما يشبه اللف والنشر {فَأَحْبَطَ} لذلك {أعمالهم} التي عملوها حال إيمانهم من الطاعات، وجوز أن يراد ما كان بعد من أعمال البر التي لو عملوها حال الإيمان لانتفعوا بها.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12